mardi 23 février 2010

توحد المغاربيين بين فرشة وسكين


صحن أبيض جميل، موضوع بشكل أنيق بين فرشة وسكين تحفه مناديل وأكواب مزخرفة بنقش قديم فوق طاولة عشاء فخم في فندق عاصمة العلويين. طلبت لائحة الطعام لأملأ بطني الجوعان دون أن اكترث لفظاعة ارتفاع الأثمان، كنت ليلتها أبتلع حسرتي وألعن وحدتي بين رشفة حسائي الساخن ولهفتي، شاردة الذهن أوزع نظري بين النادل ولوحة الحائط الجامد.
زائرة أنا لعاصمة البلاد، هذه المرة، قصد التدريب والتحصيل لفن كتابة ما أسموه بالتدوين، ثم ما برحوا أن أطلقوا عليه اسما آخر أكثر ملاءمة لمجريات الأحداث، فكان الاسم هو " القلم التفاعلي" بدل الالكتروني. اجتمعنا أطر فاعلون مدونون وغير مدونون، أغلبنا مغاربيين، متعددة مشاربنا متنوعة رؤانا لتظل الوسيلة توحدنا: قرطاس صفحة الويب، ومفاتيح لوحة الكيبورد.
ومنذ الوهلة الأولى، أذابت ابتسامة الترحيب خجولنا، وانطلقت استشرافاتنا مع لهجة المؤطرة اللبنانية التي كتب لها أن تشهد الجمع وتبارك اللحمة، ومن اللحظة الأولى أحسست بمسؤولية ما أحمله رغم تباين الطرح والرؤى، فكثيرا ما تعالت الأصوات داخل غرفة التلقين، نقاش وجدال، وتلاقح الأفكار، ومعها انفكت عقدة اللسان.
حان وقت الطعام فانسدل الستار على غرفة التحصيل ليفتح في مكان آخر. وبين شوكة وسكين وبينهما صحن أبيض جميل، لم تكتفي الأفواه بالمضغ فارتأت فتح عنان التفكير ومعها طرح أسئلة التعارف لتنتقل من كرسي لكرسي، هذا مغربي وذاك جزائري والآخر تونسي، فلم يبق على وحدة المغرب العربي إلا قاب قوسين، وبعد حديث ليس بالطويل أدركنا أن الحدود المرسومة بين شعوب المغاربيين لا تعدو أن تكون وهما، فقد وحّدتنا أحاسيس التشجيع في أكثر من حين، ثم تشابهت اللهجات والمصطلحات ونمط التفكير، حتى اضطهاد النساء وقلة التعليم دون ان ننسى كتم الحريات وتكميم الأفواه ونهج سياسة التعتيم، ومنذ الوهلة الأولى للقائنا حلمنا بعودة سكة القطار تخومها المحيط وربوعها أغوار الصحراء المغاربية.
من خلال القهقهات تآلفت القلوب فكنا لحمة واحدة ، خلقنا مجموعة على الويب وقررنا استئناف الحديث عن المآسي: دردشات على اليسار وأحاديث على اليمين، تبادلنا الصور ومؤازرة المستضعفين، قلنا جميعنا بصوت واحد " لا" لقمع الحريات، " نعم" لحرية التعبير، وبين الحين والحين كنا نعلن بفخر أننا مدونين، فاستمعنا لمعاناة لبنان واسترجعنا تاريخ قهر فلسطين.
وعند انتهاء محتوى الصحن الأبيض الجميل، كنت أضع عن يدي الفرشة والسكين، ثم أنسلّ عن الطاولة وبداخلي زخم من الثورات واعجاب وتأويل، متشوقة لسويعات اللقاء باحثة عن لحيظات أمل يعيش فيه المرء دون نتوءات الدهر دون مرجعيات الفرقة ودون تضليل.
شهيدة لخواجة / المغرب

1 commentaire:

  1. جميل هذا السرد وكأني اقرء نصا يعتمد على فن المقامة.
    أحييك

    RépondreSupprimer